بداية من عام 2010، بدأت موجة كبيرة من التغير بالحدوث في عالم السينما، حيث بدأت عشرات الأفلام ثلاثية الأبعاد بالظهور بسرعة في السينما، وتبع الأمر موجة تالية من مبيعات أجهزة التلفزيون والشاشات ثلاثية الأبعاد.
في الوقت الحالي بات من الواضح أن الموجة ثلاثية الأبعاد كانت مؤقتة فقط، حيث تم هجر التقنية بشكل شبه كامل من قبل الأفلام ومصنعي الشاشات على حد سواء، لكن هل سألت نفسك كيف يعمل الفيديو ثلاثي الأبعاد أصلاً؟
في هذا الموضوع سنشرح الطريقة المستخدمة في صنع وعرض المحتوى ثلاثي الأبعاد، ولماذا من الضروري أن تستخدم نظارات مخصصة لتتمكن من مشاهدة هذا النوع من المحتوى.
المحتويات
كيف نرى الأشياء ثلاثية الأبعاد في الطبيعة؟
قبل أن نشرح طريقة عمل الفيديو ثلاثي الأبعاد، من المهم أن نفهم الطريقة التي تعمل بها العين البشرية أصلاً. حيث أن وجود عينين لدينا يعطينا ميزة هامة جداً هي الإحساس بالعمق والقدرة على تمييز بعد الأشياء من النظر إليها فقط.
السبب بقدرتنا على رؤية الأشياء مجسمة في الطبيعة هو أننا نمتلك عينين وليس عيناً واحدة فقط. حيث أن كلاً من العينين تنظر إلى ما هو أمامنا من زاوية مختلفة قليلاً عن العين الأخرى، أي أن كل عين ترى صورة مختلفة بشكل طفيف عن العين الأخرى.
في الدماغ يتم تحليل كل من الصورتين القادمتين من العينين، ومن ثم تشكيل صورة واحدة لكن مع فهم أكبر للعمق وللشكل ثلاثي الأبعاد للأشياء. هذه الميزة غائبة لدى من يفقدون حاسة البصر بواحدة من عينيهما فقط بطبيعة الحل.
يمكنك ملاحظة الأمر بأن تقرب شيئاً من وجهك ومن ثم تنظر إليه بعين واحدة وتغمض الأخرى. بتبديل العين المفتوحة ستلاحظ أن شكل ما تشاهده سيختلف بشكل طفيف حسب أي عين تنظر إليه منها.
في حال أردت معرفة أهمية الإحساس بالعمق الذي يولده الرؤية بعينين معاً، فقط قم بتغطية واحدة من عينيك وحاول القيام بنشاطاتك اليومية. ستلاحظ أن كل شيء سيصبح أصعب، حيث ستتعثر بكل شيء وسيكون من الصعب حتى أن تمسك بالأشياء أو تلتقط شيئاً مرمياً إليك.
اقرأ المزيد: معدل الإطارات ومعدل تحديث الشاشة: ماذا يعني كل منهما؟ ما الفرق بينهما وكيف يرتبطان معاً؟
المبدأ الأساسي لصنع الفيديو ثلاثي الأبعاد
الفكرة الأساسية من عرض الفيديو ثلاثي الأبعاد هي خلق صورتين مختلفتين بشكل طفيف، ومن ثم إيصال كل من هاتين الصورتين إلى إحدى عينيك فقط دوناً عن الأخرى.
في حال تم تنفيذ الأمر بالشكل الصحيح، من الممكن خداع الدماغ ليعتقد أنك تنظر إلى صورة مجسمة حقاً، وبالتالي سيحلل الصورتين تماماً كما يحلل العالم ثلاثي الأبعاد المحيط بنا، وهكذا ستتمكن من رؤية الفيديو ثلاثي الأبعاد كما لو أن محتواه حقيقي ويظهر أمامك تماماً.
من حيث توليد صورتين مختلفتين عن بعضهما بشكل طفيف فالأمر ليس مشكلة حقاً، حيث يمكن ذلك بالتصوير باستخدام كاميرتين متجاورتين مع بعضهما (لمحاكاة وجود عينين بشريتين). لكن عند محاولة إيصال الصور بشكل منفصل إلى العينين يصبح الأمر أكثر تعقيداً.
للتمكن من عرض الفيديو ثلاثي الأبعاد، من الضروري أن توصل صورتين مختلفتين لكل من العينين. لذا ظهرت عدة تقنيات تحاول فعل ذلك مع الوقت، لكن أهم المراحل كانا اثنتين أساسيتين:
النظارات والصور الملونة
عند التفكير بالنظارات ثلاثية الأبعاد، عادة ما يخطر بالبال النظارات ذات العدسات الملونة. حيث كانت هذه النظارات هي المسيطرة على عرض الأفلام ثلاثية الأبعاد لوقت طويل، ومن الممكن تمييزها بسهولة من كون إحدى العدستين زرقاء، والأخرى حمراء اللون.
الفكرة الأساسية هنا هي أن يتم عرض صورتين مختلفتين ومتداخلتين معاً في نفس الوقت. واحدة من الصورتين مصبوغة باللون الأزرق جزئياً، والأخرى باللون الأحمر. وعند النظر من النظارة، تستطيع كل عدسة إظهار واحدة من الصورتين فقط وليس الصورتين معاً.
طوال وقت طويل كانت هذه الطريقة هي المستخدمة في الواقع، لكنها تعاني من عيوب كبرى. حيث أن الألوان فيها تبدو باهتة ومكتومة، كما أن تجربة العرض باستخدامها غير مريحة حقاً، وقد كان الكثير من الأشخاص يعانون من الدوار بسببها.
مع الوقت انتهى استخدام هذه الطريقة بشكل كامل فعلياً، ومنذ مطلع الألفية بات من النادر جداً أن تستخدم هذه الطريقة في العرض أبداً.
اقرأ المزيد: لماذا تظهر الأفلام القديمة بجودة عالية، بينما جودة المسلسلات من نفس فترتها سيئة؟
الضوء المستقطب والفلاتر
ما هو استقطاب الضوء
كتجربة، أحضر نظارات شمسية وضعها أمامك بينما تشاهد شاشة من نوع LCD. أثناء المشاهدة قم بتدوير النظارة تدريجياً وراقب ما يحصل.
في حال كنت تستخدم نظارة شمسية جيدة، ستلاحظ أن الضوء يكون ساطعاً وواضحاً في بعض الزوايا، لكن عند التدوير إلى زاوية معينة يختفي الضوء بشكل شبه كامل ولا تستطيع رؤية ما يظهر على الشاشة أبداً.
ما حدث في تجربة النظارة السابقة هو تأثير لما يعرف باسم استقطاب الضوء. شرح استقطاب الضوء هو موضوع فيزيائي معقد يحتاج للكثير من المتابعة ووقت طويل للفهم، لكن الفكرة الأساسية هنا، هي أن الضوء الذي يمتلك استقطاباً محدداً يمر بنسب متفاوتة من العدسات المستقطبة حسب توافق استقطابه مع استقطابها.
في حالة الضوء الطبيعي وأضواء الإنارة المعتادة يكون الضوء القادم متنوعاً ويمتلك العديد من الاستقطابات المختلفة، لذا يبدو تأثير النظارة الشمسية متساوياً عليه، لكن الشاشات الحديثة تصدر ضوءاً مستقطباً باتجاه محدد، وفي حال وضعت العدسة بطريقة تجعلها متعامدة مع استقطاب الضوء فلن يتمكن من المرور وستظهر العدسة كتيمة تماماً.
استخدام استقطاب الضوء في النظارات ثلاثية الأبعاد
ما ذكرناه أعلاه هو استقطاب خطي، وهو مفهوم بسيط نسبياً. في الفيديو ثلاثي الأبعاد يستخدم نوع آخر (وأعقد) من الاستقطاب وهو الاستقطاب الدوراني. لكن ما يهم معرفته هنا هو أن الضوء يمر من العدسات المستقطبة حسب توافقه معها.
في النظارات ثلاثية الأبعاد الحديثة، تمتلك كل من العدستين استقطاباً دورانياً معاكساً للأخرى. وبشكل مشابه تبث الصورتان المختلفتان باستقطابات دورانية محددة، بحيث تكون كل صورة قابلة للعرض من عدسة واحدة فقط، لكنها غير ظاهرة أبداً من العدسة الأخرى.
اقرأ المزيد: كاميرا مزدوجة، ثلاثية وحتى خماسية! ما هي فائدة العدسات الإضافية لكاميرات الهواتف الذكية؟
كيف يتم عرض الفيديو ثلاثي الأبعاد
بالطبع من الصعب عرض صورتين متحركتين معاً وفي نفس الوقت، لذا عادة ما تستخدم أساليب عدة لتحقيق التأثير المطلوب. وتختلف الأساليب المستخدمة للأمر حسب مكان العرض: صالة سينما، أو شاشة تعرض الفيديو ثلاثي الأبعاد.
في صالات السينما
عادة ما يتم عرض الفيديو ثلاثي الأبعاد في السينما باستخدام جهازي إسقاط معاً، حيث أن كل جهاز إسقاط يبث الصورة التي من المفترض أن تعرض لعين واحدة فقط، وبالنتيجة تظهر الصورتان معاً على الشاشة، وصورة واحدة لكل عين عن وضع النظارة المخصصة.
في بعض الحالات من الممكن استخدام خدعة أخرى، وهي عرض الإطارات المتتالية بشكل متناوب، بحيث تعرض صورة خاصة بعين واحدة في كل إطار. لكن بسبب التناوب السريع لعرض الإطارات، وميزة استمرارية الرؤية في عينينا، يظهر الفيديو متحركاً لكل من العينين.
في الشاشات وأجهزة التلفزيون
في الشاشات من الممكن جعل كل إطار من الفيديو هو نتيجة تداخل الصورتين معاً، كأن تكون الخطوط الأفقية الأحادية للعين اليمنى والزوجية لليسرى مثلاً. أو تنويع آخر من تداخل الصورتين معاُ.
أو من الممكن عرض الإطارات بالتناوب كما هو الأمر في السينما أحياناً، وبسبب كون الشاشات تعرض الإطارات أسرع (حتى 60 إطار في الثانية عادة) يبدو الفيديو سلساً تماماً دون مشاكل.
اقرأ المزيد: ما هو الفرق بين شاشات OLED وشاشات LCD؟ وأيها أفضل لهاتفك الذكي أو للتلفاز
لماذا قل استخدام الفيديو ثلاثي الأبعاد في عالم اليوم؟
مع أن تقنيات العرض ثلاثي الأبعاد لم تمت حقاً، بل أنها لازالت موجودة اليوم، فمن الواضح أن حصتها في السوق تتراجع باستمرار. وبالنظر إلى الشاشات وأجهزة التلفزيون، بات من الواضح أن الاهتمام بالمحتوى ثلاثي الأبعاد بات صغيراً للغاية.
يمكن ربط الأمر بعاملين أساسيين في الواقع، الأول هو أن المحتوى ثلاثي الأبعاد مخيب في معظم الحالات في الواقع. حيث أن تنفيذه غير مرضٍ في الكثير من الحالات، والعديد من الأفلام تتضمن مشاهد معينة ثلاثية الأبعاد فقط، دون أن يفيد العرض ثلاثي الأبعاد في تجربة أفضل للعرض حقاً.
بالنظر إلى التحسن غير الكافي في العرض ثلاثي الأبعاد، يصبح تبرير فرق السعر الهائل أصعب في الواقع. حيث أسعار بطاقات السينما للعرض ثلاثي الأبعاد أعلى بـ 40% من العادية عادة. وبالنسبة للشاشات المنزلية، من الممكن لشاشة ثلاثية الأبعاد أن تكلف أكثر من ضعفي سعر الشاشة العادية.
في بداية العقد الماضي كان شراء بطاقات سينما، أو شاشات ثلاثية الأبعاد أمراً محبباً للكثيرين في الواقع. حيث كانت التقنية جديدة ومثيرة ومبرراً لصرف المزيد من المال.
لكن مع الوقت بردت ردود الأفعال تجاه التقنية عموماً، حيث لم تعد مبهرة كما السابق. كما أن سيلاً من الأفلام والمحتوى ثلاثي الأبعاد السيء الجودة جعل الكثيرين يفقدون أي اهتمام حقيقي بالتقنية.
اليوم من الصعب التنبؤ بمستقبل تقنية العرض ثلاثي الأبعاد، لكن في حال استمر ما يحدث اليوم فالتراجع مستمر. ومع الوقت سينخفض عدد الأفلام التي تصور وتعرض بهذه التقنية أصلاً، حيث أن غياب الحافز المالي يعني أن المحتوى المنتج سيتراجع ككم وحتى كنوع.