سواء كان لمراقبة الطائرات أو السفن المعادية، أو أنه موجود لمراقبة الطرق السريعة فقط، لا شك بأن أنظمة الرادار مهمة للغاية في عالم اليوم. حيث أنها مفيدة للغاية في الحروب، ومفيدة أكثر حتى الاستخدامات المدنية.
لا زالت تقنيات الرادار تستخدم بشكل مكثف في الجيوش والمنظومات الدفاعية اليوم دون شك، لكنها تستخدم في العديد من الأمور المعتادة مثل أدوات تحديد سرعة السيارات (مسدس الرادار) وبالطبع أبراج المراقبة في المطارات.
المحتويات
المبدأ الأساسي في عمل الرادار
يأتي اسم رادار (RADAR) كاختصار للعبارة الإنجليزية RAdio Detection And Ranging، والتي تعني الاكتشاف وقياس المدى عبر أمواج الراديو.
يعتمد نظام الرادار كما العديد من أنظمة الاستكشاف الأخرى على انعكاس الأمواج. حيث أن ظاهرة انعكاس الأمواج أساسية للغاية في عمل الرادار والسونار وغيرها. ومن حيث المبدأ يمكن مقارنة الأمر مع صدى الصوت تماماً.
في حال وقفت في قاعة كبيرة فارغة، وقمت بالحديث أو الصراخ بصوت مرتفع، من الممكن أن تسمع صدى صوتك الذي ينتقل منك نحو الجدران حولك، ومن ثم تنعكس أمواج الصوت إليك لتسمعها مجدداً.
يستخدم الرادار نفس مبدأ الصدى الصوتي، لكن مع فارق بنوع الأمواج المستخدمة، فبدلاً من الصوت أو الضوء، تستخدم الرادارات الأمواج الكهرومغناطيسية. هذه الأمواج مشابهة للضوء بالسرعة وقابليتها للانتقال بسهولة في الهواء والانعكاس عن المواد، لكنها تمتلك أطوال موجية مختلفة تجعلها غير قابلة للرؤية من البشر.
كيف يستطيع الرادار تحديد جهة وبعد وارتفاع جسم ما
تمتلك محطات الرادار هوائيات إرسال كبيرة وقوية، وتستطيع هذه الهوائيات إرسال الإشارة ذات الطاقة العالية حولها إلى مسافات بعيدة، وكون الإشارة هي أمواج كهرومغناطيسية، فهي تسير بسرعة ثابتة محددة: سرعة الضوء.
عندما ترتطم الأمواج التي يصدرها هوائي الإرسال بجسم ما، فهي ترتد حسب شكل الجسم. ففي حال كان الجسم مسطحاً تماماً ترتد باتجاه واحد فقط، لكن إن كان هناك الكثير من الانحناءات والأشكال الدائرية تتناثر الأمواج بكل الاتجاهات.
بعض من هذه الأمواج التي ترتد تعود بنفس اتجاه محطة الرادار، وهناك توضع عدة هوائيات استقبال مع زوايا واتجاهات مختلفة. وبمقارنة شدة الأمواج من الهوائيات المختلفة، يمكن بذلك تحديد اتجاه الجسم الذي عكسها بدقة مقبولة نسبياً.
بالنسبة للمسافة فالأمر بسيط للغاية، حيث يتم إرسال الموجات بشكل متقطع، ومن ثم انتظار عودتها. ومع كوننا نعرف أن الأمواج تتحرك بسرعة ثابتة هي سرعة الضوء، يمكن احتساب المسافة بدقة جيدة بقياس الزمن بين صدور الموجة واستقبالها.
عندما تبحث الرادارات عن الطائرات فمن المهم معرفة الارتفاع كذلك، وبمعرفة اتجاه الطائرة وبعدها، يمكن احتساب الارتفاع بسهولة من قوانين المثلثات، وبهذا يمكن معرفة مكان الطائرة أو الأجسام الغريبة الأخرى بدقة ممتازة.
كيف يستطيع الرادار تحديد سرعة الأجسام
مع أن تحديد مواقع الأجسام وحده أمر مفيد للغاية، فتحديد سرعتها مفيد جداً كذلك، ويمكن فعل ذلك بطريقتين مختلفتين.
الطريقة الأولى والأبسط هي التقاط الجسم في مرتين متتاليتين، وبمقارنة موقعه الأول مع موقعه الثاني يمكن تحديد السرعة بالاعتماد على المسافة التي قطعها، والوقت المار بين المرتين.
الطريقة الثانية أكثر تعقيداً، لكنها لا تحتاج للانتظار في الواقع. حيث تعتمد الطريقة الثانية على خاصية مهمة في الأمواج، حيث أن انعكاس الأمواج لا يعطي أمواجاً مطابقة للأصل دائماً، بل أنه يفعل ذلك في حال كان الجسم العاكس ثابتاً فقط.
في حال كان الجسم المرصود يتحرك بعيداً عن محطة الرادار، تعود الأمواج مع طول موجي أكبر بقليل من طولها المحدد عند الإرسال، وبشكل معاكس تعود مع طول موجي أقصر إن كان الجسم المرصود يتحرك باتجاه محطة الرادار.
بقياس التغير الحاصل على طول الأمواج المستقبلة مقارنة بطول الأمواج المرسلة، يمكن معرفة سرعة الجسم المتحرك بالنسبة لمحطة الرادار. حيث أن الأجسام الأسرع تتسبب بتغير أكبر في الطول الموجي ببساطة.
بالطبع فالتقنية الثانية ليست مثالية، حيث تواجه صعوبة إن كان الجسم يتحرك بحيث لا يتغير بعده عن محطة الرادار، كما أن السرعة تقاس دون معرفة اتجاهها الدقيق. لكن باستخدام الطريقتين الأولى والثانية معاً من الممكن تحديد سرعات الأجسام بدقة كبيرة.
ما هي الأجسام التي يكتشفها الرادار؟ وهل هناك مواد “خفية” بالنسبة له؟
مع كون الرادار يعتمد على إطلاق أمواج كهرومغناطيسية، فالأمر يعتمد على قابلية الأجسام لعكس هذه الأمواج بالدرجة الأولى. حيث تنعكس الأمواج الكهرومغناطيسية كما ينعكس الضوء عادة.
بالنتيجة تعد المعادن المصقولة أسهل الأجسام للاكتشاف عادة، فهي الأقدر على عكس الأمواج. وكلما كان الجسم أقل عاكسية يكون رصده باستخدام الرادار أصعب وأصعب، فالطلاء اللامع على سيارة أسهل بكثير للالتقاط مقارنة بالطلاء غير العاكس (Matte).
بالإضافة للمادة المكونة للجسم نفسه، فشكل الجسم مهم للغاية في قابلية رصده من قبل الرادار. حيث أن الرادارات تواجه صعوبة كبيرة مع الأجسام المسطحة تماماً.
حيث أن هذه الأجسام تعكس الأمواج باتجاهات محددة وبعيداً عن محطة الرادار عادة. بالمقابل تعد الأسطح المنحنية والكروية مثالية للرادار، فهي تعكس الأمواج باتجاهات متعددة، وبالنتيجة يصبح احتمال عودتها باتجاه محطة الرادار أكبر.
يمكن ملاحظة أهمية شكل الأجسام في قابلية التقاطها من الرادار بالنظر إلى الطائرات والسفن الحربية، حيث تستخدم الطائرات والسفن المخصصة للتخفي عن الرادار أسطحاً مستوية قدر الإمكان وحوافاً حادة، وبالمقابل تبدو الطائرات والسفن المعتادة أكثر انحناء كونها تفضل التعرف عليها من الرادار ولا تحتاج للتخفي.
عادة ما تستخدم الطائرات والسفن التي تحتاج التخفي عن الرادار مزيجاً من طريقتين، فهي تعتمد أسطحاً مستوية قدر الإمكان، كما أنها تطلى بدهانات خاصة مصممة لتمتص أمواج الرادار قدر الإمكان. وبالنتيجة تنجه هذه المركبات بالتخفي إلى حد بعيد.
أهم استخدامات الرادار
يستخدم الرادار اليوم في العديد من المجالات المختلفة، ويتراوح في الحجم والشدة حسب استخداماته. فرصد الأجسام القريبة يحتاج رادارات صغيرة الحجم وبشدة ضعيفة فقط، بينما يحتاج الأمر إلى رادارات أكبر وأكثر قوة في الاستخدامات الكبرى مثل مراقبة المجال الجوي أو البحري.
على العموم تضم أهم الاستخدامات مجالين أساسيين: المجال العسكري والمدني.
في المجال العسكري
- مراقبة المجال الجوي واكتشاف الأجسام الغريبة والطائرات أو الصواريخ أو المركبات المعادية وتحديد مواقعها.
- مراقبة المياه الإقليمية أو رصد السفن والمدمرات العدوة أو السفن المدنية في المدى القريب.
- توجيه الصواريخ باتجاه الأهداف المعادية وبالأخص البرية والبحرية.
في المجال المدني
- مراقبة الطرق السريعة وتحديد سرعات المركبات في الأماكن التي تمتلك حدود سرعة.
- تنظيم حركة الطائرات في المطارات المدنية وبالأخص في الإقلاع والهبوط ومنع التصادم.
- رصد الأجسام الغريبة في المياه وبالأخص الجبال الجليدية للمناورة وتجنب الاصطدام بها.
- رصد الأجسام القريبة في السيارات، وبالأخص في أنظمة القيادة الذاتية أو للمساعدة على ركن السيارة دون صدم الجدران أو الحواجز مثلاُ.
- رصد حركة الغيوم وسرعتها للتنبؤ بالطقس بشكل أفضل.
هل يشكل الرادار أي خطر على البشر؟
مع كون أنظمة الرادار تستخدم الأمواج الكهرومغناطيسية، فنسبة الخطر التي قد تنتج عنها تعتمد على المسافة من جهة، والعزل من الجهة الأخرى. على المسافات البعيدة لا تشكل أمواج الرادار أية خطورة في الواقع، حيث طاقنها منخفضة، لكن على المجال القريب الأمور مختلفة.
في حال كنت قريباً كفاية من هوائيات الإرسال، من الممكن لأمواج الرادار أن تتسبب بحروق جليدية حادة، كما يمكن أن تؤثر على البصر كذلك. وفي حال كانت الأمواج الصادرة طويلة قد تزيد من احتمال الإصابة بالسرطانات وبالأخص سرطان الجلد.
في حال كانت الأمور وفق المعايير العالمية، لا يجب أن تخشى من الرادار حقاً، فالمدى الضار يكون ممنوعاً للمدنيين عادة، وأماكن العمل الخاصة بالموظفين معزولة كفاية لتقليل تعرضهم لأمواج الرادار كذلك.
لكن وفي بعض الحالات وبالأخص مع أنظمة الرادار القديمة، كان من الشائع انتشار الأمراض والمشاكل الصحية بين الموظفين الذين يتعاملون معها، حيث كان الرادار معروفاً بكونه يقتل الموظفين المسؤولين عن تشغيله ببطء.
هذه الأنظمة القديمة باتت شبه منقرضة من معظم البلدان المتقدمة، لكنها لا تزال موجودة ومستخدمة في بعض الدول النامية. حيث أنها عادة ما تكون مستخدمة في الجيوش ولم يتم تحديثها أو استبدالها منذ عقود. لكن طالما أنك لا تعمل في محطة رادار، ولا تقترب بشكل كبير من محطات الرادار فليس عليك القلق من الأمر.