بينما مراقبة سطح الأرض أو حتى الجو سهلة نسبياً، لطالما كانت أعماق البحار لغزاً على البشرية. فالرؤية فيها صعبة أو معدومة، كما أن الاستعانة بتقنية مثل الرادار عقيمة كون الأمواج الكهرومغناطيسية لا تنفع حقاً تحت الماء. لذا كان لا بد من اختراع السونار (Sonar).
يعرف السونار بأنه جهاز تحديد مواقع واتجاهات وحتى سرعات تحت الماء، فهو فعال جداً تحت الماء فقط ولا ينفع في الهواء، وبشكل معاكس لا ينفع الرادار تحت الماء في الواقع.
المحتويات
المبدأ الأساسي في عمل السونار
يأتي اسم السونار (SONAR) كاختصار للعبارة الإنجليزية Sound Navigation Ranging، والتي تعني الملاحة وقياس المدى باستخدام الصوت.
تماماً كما الرادار، يعتمد السونار بعمله على واحد من المفاهيم الفيزيائية المهمة: انعكاس الأمواج، أو ما يعرف باسم الصدى. لكن بدلاً من الأمواج الكهرومغناطيسية، يستخدم السونار الأمواج الصوتية، وبالتالي فهو مشابه جداً للصدى الذي تسمعه إن صرخت في قاعة كبيرة فارغة.
يستخدم السونار الصوت لأنه أفضل طريقة للعمل تحت الماء في الواقع، حيث أن الأمواج الكهرومغناطيسية تخسر الكثير من طاقتها في الماء مما يجعلها غير فعالة، وبالتالي فالأمواج الصوتية (الفيزيائية) هي الطريقة الأفضل لتحديد مواقع الأشياء.
طريقة عمل السونار ونوعا استخدامه
تمتلك أنظمة السونار عادة وضعين مختلفين: السونار الفعال، والسونار السلبي. وكل من هذين النوعين يعمل بطريقة مختلفة نوعاً ما عن الآخر.
السونار الفعال
تبدأ العملية من أداة مخصصة لإصدار أمواج صوتية قوية، هذه الأداة قد تختلف من نظام سونار إلى آخر، لكن الشكل الشائع هو أداة صنع نبضات كهربائية، حيث أنها تتيح التحكم بتواتر الموجة الصادرة لتسهيل التعرف عليها لاحقاً. بعض الأنظمة تستخدم أمواجاً بتواتر ثابت، فيما تستخدم بعضها الأخرى تواتراً متغيراً.
تسير الموجة في المياه ضمن مجال سرعة معين (حوالي 1500 متر في الثانية)، ومن ثم تصطدم بجسم ما أو بقعر المحيط مثلاً وترتد في العديد من الاتجاهات. وعادة ما يأتي جزء من الصوت المرتد باتجاه نظام السونار المصدر للصوت.
يتم استقبال الصوت المرتد (الصدى) من عدة ميكروفونات عادة، وبقياس الوقت بين إصدار الصوت واستقباله يمكن معرفة بعد الأجسام التي عكست الصوت بالاستعانة بالسرعة التقريبية للصوت في الماء المالح. كما يمكن معرفة اتجاه الجسم بمقارنة البيانات من عدة ميكروفونات موجهة ومتباعدة عن بعضها.
بالنتيجة يستطيع نظام السونار رسم خريطة للتضاريس المحيطة به، كما يمكنه التقاط مكان وبعد معظم الأجسام الكبيرة كفاية حوله وذلك بالاستعانة ببرمجيات حاسوبية مخصصة لتحليل الإشارة الواردة.
السونار السلبي (غير الفعال)
واحدة من العيوب الكبرى لنظام السونار هو أنه يعلن عن مكان مستخدمه لأي جهة أخرى تستمع إلى الصوت. حيث أن السونار يصدر الأمواج الصوتية بقوة ويسهل على الأعداء مثلاً معرفة مكان النظام بسهولة أكبر وبالأخص في الغواصات.
لذا وفي الاستخدامات الحربية، عادة ما يمكن الاستعانة بالسونار لكن دون إصدار صوت. بل يتم الاكتفاء بالاستماع إلى الأصوات الصادرة وتحليلها. وحسب الأصوات الصادرة من الممكن معرفة أمور مهمة مثل وجود غواصات أخرى وكونها أمريكية أم لا، كما يمكن تحديد النوع أحياناً.
بالطبع يعاني السونار السلبي من الكثير من المحدودية، حيث لا يمكن اكتشاف الأجسام التي لا تصدر صوتاً، وحتى في حال صدور الصوت قد لا يتم التقاطه بالشكل الصحيح بسبب الضجيج الناتج عن الغواصة التي تحمل النظام أصلاً.
في الغواصات الحربية، عادة ما تستخدم عدة أساليب لتجنب الضجيج وتجنب الاكتشاف من السونار السلبي للأعداء. حيث تستخدم مفاعلات نووية لا تحتاج مضخات لتبريدها، كما تصمم الرفاصات (مراوح الدفع) بحيث تصدر أقل حد ممكن من الصوت والاضطراب.
كيف يستطيع السونار تحديد سرعة الأجسام حوله
كما الأمر في الرادار، يمكن الاعتماد على التغير بين قراءتين متتاليتين لمعرفة حركة الأجسام وسرعتها، أو يمكن الاعتماد على تأثير انضغاط أو تمدد الأمواج المعروف باسم “تأثير دبلر” (Doppler Effect).
الفكرة الأساسية من تأثير دبلر هو أن الأجسام المتحركة لا تعكس الأمواج بشكل مثالي، بل أنها تتسبب بتغير في الطول الموجي للأمواج المنعكسة. بالتالي تكون الأمواج المرتدة من الجسم المتحرك باتجاهك أقصر، وتلك المرتدة من جسم متحرك بعيد عنك أطول.
بالاعتماد على تغير الطول الموجي (وبالنتيجة التواتر) من الممكن معرفة كون الجسم يتحرك أو لا، كما يمكن معرفة سرعته بالنسبة لنظام السونار.
بالطبع ونتيجة كون سرعة الصوت في الماء متغيرة وغير منتظمة، تكون نتائج تحديد السرعة تقريبية فقط، حيث لا يمكن الحصول على قراءة دقيقة لها بل مجال بين قيمتين عادة.
أهم استخدامات السونار
كما هو الأمر بالنسبة للرادار، فقد تم تبني استخدام السونار في العديد من المجالات المختلفة اليوم. حيث أنه بات من أكثر الأنظمة انتشاراً بالاستخدام في السفن والغواصات. وبالطبع يقسم استخدامه إلى القطاعين المدني والعسكري.
في المجال العسكري
- تحديد موقع سفن وغواصات العدو بأفضل دقة ممكنة.
- توجيه الطوربيدات تحت الماء لتصيب الهدف العدو بدقة.
- اكتشاف الطوربيدات أو الألغام المعادية ومحاولة المناورة للهروب منها وتجنب الإصابة.
- توجيه السفن والغواصات في المناطق الجليدية وقرب السواحل.
في المجال المدني
- تحديد الموقع بمقارنة التضاريس الظاهرة على السونار مع الخرائط البحرية المرسومة مسبقاً.
- تخطيط ورسم الخرائط لقاع البحار والمحيطات.
- التواصل مع الغواصات الأخرى دون الحاجة للصعود إلى السطح.
- استكشاف تضاريس المناطق الساحلية لتجنب جنوح السفينة أو ارتطامها بالقاع أو بنتوء صخري ضمنه.
- إرسال نداءات الاستغاثة في حال حدوث طارئ.
هل يشكل السونار أي خطر على البشر؟
مع كون أمواج السونار أمواجاً صوتية عالية الطاقة، فهي تحمل معها خطورة حقيقية على البشر وعلى الحيوانات البحرية كذلك. حيث أن تأثيراتها مشابهة لتأثير أمواج الصدمة الناتجة عن الانفجارات، وهذه الأمواج قد تتسبب بأضرار كبيرة مثل:
- تمزق غشاء الطبل وخلل في الأذن الوسطى وفقدان جزئي أو كلي للسمع.
- تمزق الشعيرات الدموية في الرئتين ونزيف رئوي من الممكن أن يكون قاتلاً.
- تمزق الشعيرات الدموية في الدماغ وقد يكون قاتلاً كذلك أو ذا تأثير دائم مستقبلاً.
هذه التأثيرات الخطيرة تجعل استخدام السونار أمراً مقيداً بالعديد من القواعد، حيث يمنع استخدامه بالقرب من شواطئ السباحة والأماكن التي من الممكن أن يكون فيها بشر. لذا ليس عليك أن تقلق من التأثيرات حقاً، حيث من المستبعد أن تسبح لتقترب من غواصة تستخدم السونار مثلاُ.
بالطبع هناك تناسب بين شدة التأثيرات وطاقة الأمواج الصادرة، حيث أن الضرر شديد من غواصة حربية مثلاً، لكنه قد لا يكون موجوداً أصلاً لبعض الأنظمة الصغيرة كالموجودة في الغواصات المدنية الصغيرة أو الأنواع المحمولة التي يستخدمها بعض الغواصين.
السونار في الطبيعة
مع أن تقنية السونار من صنع البشر بالطبع، هناك في الواقع أمر مشابه جداً لها في الطبيعة: تحديد الموقع بالصدى. حيث أن هذه “الحاسة الإضافية” موجودة لدى الخفافيش، كما أنها موجودة في الدلافين والحيتان كذلك.
تماماً كما السونار، تطلق هذه الحيوانات أمواجاً صوتية بترددات منخفضة، ومن ثم تستمع بدقة إلى الصوت العائد لها. ومن الصوت وجهته وشدته يمكنها معرفة مكانها ومحيطها والتضاريس أسفلها.