بالنسبة لعدد كبير من الأشخاص، فاستخدام تقنية “تورنت” (Torrent) هو أمر اعتيادي ويتكرر بشكل دوري لتحميل العديد من الأشياء التي قد تتراوح من مقطوعات موسيقية، إلى أفلام أو مسلسلات وحتى ألعاب وبرامج كبيرة الحجم حتى، ومع كون هذا الأسلوب من التحميل يدعم الاستمرارية ومن الممكن أن يتم بسرعات منخفضة جداً وعلى مدى شهور حتى لتحميل ملف واحد (في حال كانت السرعة منخفضة للغاية)، فهو واحد من أفضل أساليب التحميل وأكثرها موثوقية من حيث الاعتماد عليها (وليس من حيث أمان المحتوى).
بالنسبة للأشخاص الذين لا يعرفون ما هو التورنت، وحتى جزء كبير من مستخدمي التقنية الشهيرة، تبدو طريقة عمل التقنية أمراً غريباً وغير مألوف عموماً، ومع أن عشرات ملايين الأشخاص يستخدمون التحميل باستخدام التورنت طوال الوقت، فنسبة قليلة منهم يدركون آلية عمل الشبكات التي تدعم التقنية ومصدر وطريقة توزيع الملفات ورفعها وتحميلها. لذا وفي هذا المقال سنتناول كل ما يتعلق بتقنية تورنت (Torrent) من آلية عملها ومبدأها، وصولاً حتى طريقة التعامل معها والاستفادة القصوى منها.
المحتويات
ما هي تقنية تورنت؟
بالشكل الأبسط، يمكن تعريف التورنت بكونه بروتوكول اتصال يسمح بمشاركة الملفات بين عدد كبير من المستخدمين بشكل تشاركي عبر “شبكات الند للند” (Peer to Peer Networks). في الواقع يعد بروتوكول BitTorrent (بت تورنت) البروتوكول الأوسع انتشاراً لمشاركة الملفات ذات الأحجام الكبيرة جداً مثل مقاطع الفيديو ذات الجودة العالية، والأفلام والمسلسلات والألعاب والبرامج.
وتشير بعض التقديرات القديمة (من عام 2009) إلى أن ما يتراوح بين 43% و70% من المعلومات المتبادلة عبر الإنترنت تمر عبر شبكات تورنت. لكن على الأرجح أن هذه النسبة قد انخفضت بشكل كبير مع تزايد شعبية مواقع الفيديو الكبرى مثل YouTube وخدمات بث الموسيقى والبرامج التلفزيونية عبر الإنترنت، لكن بالمجمل لا يمكن إنكار كون تقنية تورنت واحدة من أكبر الطرق المتبعة لتبادل المعلومات عبر الشبكة.
مصطلحات مهمة ومفيدة لفهم تقنية تورنت
شبكات الند للند (الشبكة التي تتيح تقنية تورنت)
شبكات Peer to Peer أو اختصاراً P2P، هي نوع من الشبكات التي تضم العديد من الحواسيب والمستخدمين المتصلين مع بعضهم البعض بشكل مباشر دون الحاجة لمخدم وسيط يتحكم بتدفق المعلومات أو يقوم بحفظها. فعلى عكس الشبكات العادية التي عادة ما تتم بين مستخدم أول والمخدم، ومن ثم المخدم والمستخدم الثاني، تتم العمليات هنا من المستخدم الأول إلى المستخدم الثاني دون وجود أي وسيط سوى شبكة الإنترنت نفسها.
البذرة (Seed)
يسمى الأشخاص الذين يقومون بتحميل الملفات من شبكات تورنت والاحتفاظ بها مع الاستمرار بالسماح للآخرين بالتحميل عن طريقهم بالبذور (Seeds)، حيث أنهم يلعبون دور المخدمات بكونهم يمتلكون الملفات المطلوبة ويقومون بتوفيرها للآخرين حسب الحاجة، ومع أن عددهم قليل عادة مقارنة بالمحملين، فالأمر لا يكون مشكلة عادة.
الند (Peer)
ضمن شبكات بت تورنت BitTorrent يتم تعريف أي مستخدم آخر يقوم بتحميل نفس الملفات التي تحملها بكونه نداً لك، لكن الند لا يلعب دور مستفيد فقط، فالتحميل والرفع يتمان بشكل متبادل، وكون التحميل يتم على أجزاء فمن الممكن أن تستفيد من شخص آخر يقوم بتحميل نفس الملف، لكن الجزء المكتمل لديه مختلف عن الجزء الذي اكتمل تحميله لديك.
كيف تعمل شبكة تورنت أصلاً؟
في طرق التحميل التقليدية، يكون الملف مرفوعاً إلى مخدم يقوم بدوره بتوزيعه إلى المستخدمين عندما يقومون بطلبه. هذا الأمر فعال في العديد من الحالات، لكنه قد يكون مشكلة للمواقع الصغيرة حيث كمية البيانات المتبادلة مع المخدم محدودة، وقد يؤدي الطلب الزائد للملفات إلى توقف إمكانية التحميل. بالطبع تمتلك المواقع الكبرى عدداً هائلاً من المخدمات المتصلة بالإنترنت والمنتشرة في مختلف الأماكن بحيث تتجنب هذا النوع من المشاكل، لكن بالنسبة للإمكانيات المحدودة الأمر مختلف إلى حد بعيد.
بالمقابل يعتمد تورنت على تجزيئ الملفات المتضمنة داخله إلى قطع أصغر، والأمر يشبه هنا قطع أحجية Jigsaw (أحجية الصور المقطوعة) ويتم التعامل مع القطع بشكل مستقل نوعاً ما. لذا يمكن تحميل ملفات كبيرة الحجم للغاية دون مشاكل. فكل قطعة يتم تحميلها على حدة، ومن ثم وصلها مع الأجزاء الأخرى تماماً كما الأحجية الشهيرة. المميز هنا هو كون الأجزاء لا تحتاج لأن يتم تحميلها من المصدر نفسه ضمن شبكة تورنت، بل من الممكن أن يتم تحميلها بشكل متزامن من مصادر مختلفة معاً.
أسلوب الأجزاء العديدة للملف الواحد يحقق فائدة كبرى في مجال إتاحة سرعات عالية جداً، فمع كون سرعات الرفع عادة ما تكون منخفضة للغاية للمستخدمين العاديين، فمن الممكن تجاوز حدود السرعة الفردية بهذه الطريقة وتحقيق سرعة تحميل إجمالية عالية جداً ولو أن جميع المصادر للملف يمتلكون سرعات منخفضة للغاية. بالطبع فالسرعة العالية ليست أمراً مضموناً طوال الوقت، بل أنها تتبع لعدد المصادر (البذور) والسرعات المتاحة لديهم عبر شبكة تورنت.
هل التحميل من تورنت آمن حقاً؟
الجواب الأولي هو كما التحميل من أي مكان عبر الإنترنت تقريباً: لا! فكما العديد من الأماكن الأخرى هناك نسبة من الملفات التي يتم رفعها بشكل دوري إلى مواقع تورنت مع ملفات معطوبة أو حتى برمجيات خبيثة من أنواع عديدة ضمنها. لذا ومع أن تورنت يوفر العديد من الميزات مقارنة بالتحميل التقليدي المباشر، فهو لا يعطي أي مستوى أمان إضافي، وبالمقارنة بمواقع التحميل الموثوقة فهو بالتأكيد يحمل المزيد من المخاطرة. خصوصاً وأن من يرفعون الملفات عادة ما يرفعون محتوىً مقرصناً على أي حال، ولا مانع لديهم من استغلال المحملين لغايات خبيثة.
على أي حال هناك بعض الوسائل البسيطة التي من الممكن اتباعها لتقليل احتمال التعرض لبرمجيات خبيثة، أولها بالطبع هو عدم تحميل ملفات مضغوطة من أي نوع عبر شبكات تورنت. فعلى الرغم من أن الملفات المضغوطة قد تكون مغرية للغاية بحجمها الأصغر وسرعة تحميلها الأكبر، فهي في الغالبية العظمى من الحالات تتضمن برمجيات خبيثة ضمنها لذا الأفضل هو تجنبها. الخطوة الثانية هي البحث عن المصادر ذات العدد الأكبر من البذور (seeds) نظراً لكون المحتوى الخبيث عادة ما يتوقف انتشاره بسرعة ولا يحظى بالعديد من الأشخاص الذين يعيدون رفعه.
النقطة الواجب التنويه لها هنا هي إمكانية التعديل على الملفات عبر شبكة تورنت، فكون الملفات يتم تحميلها من العديد من المصادر في آن واحد، قد يخطر بالبال أن أحد الأشخاص قد عدل الملفات التي لديه لتتضمن برمجيات خبيثة يقوم بتوزيعها للآخرين. لحسن الحظ فهذا الأمر غير ممكن حقاً، فكل ملف مرفوع عبر تورنت يمتلك دالة مميزة له ومختلفة عن سواه، وعند تعديل أي ملف بشكل يخالف الأصل يكون من الواضح أنه مغير وبالتالي يستثنى من التحميل، لذا فهذا الأمر لا يدعو للقلق حتى.
ما هو الوضع القانوني لاستخدام تقنية تورنت للتحميل؟
من حيث المبدأ، استخدام تورنت بحد ذاته كتقنية مشاركة ملفات ليس ضد القانون حقاً. لكن الأمر يعتمد على المحتوى الذي يتم تحميله، فالمحتوى المجاني والمشارك من قبل الآخرين لا يمتلك أي عواقب على من يقوم برفعه وتحميله. بينما المحتوى المقرصن (والذي يشكل الجزء الأكبر مما هو متداول) قد يتسبب بملاحقات قانونية وحتى غرامات باهظة تصل إلى آلاف الدولارات الأمريكية، لكن الأمر هنا يخضع عادة لبلد المستخدم بالدرجة الأولى.
بالنسبة للمقيمين في المنطقة العربية ومعظم البلدان حول العالم فالأمر لا يدعو للقلق حقاً، حيث أن معظم البلدان لا تقوم بالتشديد على قوانين الملكية الفكرية ولا تحاول مكافحة القرصنة أصلاً مما يجعل الأمر وإن لم يكن قانونياً حقاً، فهو جريمة دون عقاب. لكن على عكس ذلك فالأمور مشددة بشكل ملحوظ في أوروبا وأمريكا الشمالية، وقصص الأشخاص الذين قاموا بتحميل ملف واحد مخالف عبر تورنت وتعرضوا لغرامات باهظة موجودة في كل مكان.
على أي حال إن كنت في بلد لا يسمح باستخدام تقنية تورنت لتحميل الملفات التي تمتلك حقوق ملكية، هناك بعض الطرق والأساليب التي تساعد على تجنب اكتشاف أمرك وتجنب الملاحقة القضائية أو الغرامات، ويمكنك مشاهدتها من مقالنا هنا عن أساليب إخفاء الهوية على الإنترنت.
كيف يمكنك التحميل باستخدام تورنت؟
بالمقارنة بالتحميل التقليدي من المواقع المتخمة بالإعلانات المزعجة والروابط التي تطلب الانتظار قبل الإكمال أو إدخال الرموز وغيرها، فالتحميل باستخدام التورنت أمر بسيط للغاية ولا يتطلب الكثير من الخبرة حقاً، حيث لا يحتاج سوى لبرمجية للتحميل مثل BitTorrent أو μTorrent أو غيرها، ومصدر لملفات التورنت التي تريدها، وفي الحالتين فالأمر بسيط للغاية ولا يحتاج تعلمه سوى بضعة دقائق فقط.
أفضل البرامج التي تتيح لك تحميل الملفات عبر التورنت
الخطوة الأولى هي تحميل برمجية تدعم التحميل من التورنت، وعادة ما تكون صغيرة الحجم إلى حد بعيد، ولا تتطلب أي خبرة لتشغيلها أو إعدادها، حيث أن الإعدادات الأصلية عادة ما تكون جيدة كفاية. الخطوة الثانية هي إيجاد مصدر لما تريد تحميله، ويمكن القيام بذلك إما عبر المواقع العديدة التي تنشر روابط تورنت بشكل دوري أو عبر برمجيات خاصة للبحث في مصادر التورنت التقليدية.
يجب التنويه هنا إلى أن معظم المواقع التي تتيح ملفات التورنت للمستخدمين متخمة تماماً بمختلف أنواع الإعلانات، وفي الكثير من الحالات تكون الإعلانات ذات طابع إباحي أو جنسي، لذا يجب التنويه للأمر لتجنب أن يكون الأمر مفاجئاً ربما.
يتم التحميل عادة عبر واحدة من طريقتين: إما أن تقوم بتحميل ملف صغير الحجم يمتلك لاحقة “torrent” وتقوم بالضغط عليه ليفتح ضمن برنامج التحميل (علماً أن هذا النوع من الملفات عادة ما يكون صغير الحجم ولا يتجاوز حجمه بضعة كيلوبايتات فقط)، أو أن تعثر على “رابط مغناطيسي” (Magnet Link) يؤدي الضغط عليه إلى فتح برنامج التحميل بشكل فوري دون الحاجة لتحميل ملف إضافي.