في حال كنت من مواليد التسعينات أو بعدها ربما لا تتذكر الحواسيب القديمة تماماً، لكن في حال كنت قد شاهدت حاسوباً قديماً جداً وبالأخص من الفترة الممتدة بين عامي 1984 و1994، فعلى الأرجح أنك تتذكر وجود شيئين مميزين على العلبة الخاصة بالحاسوب: هناك مكان لإدخال مفتاح لسبب ما، كما أن هناك مفتاحاً ثالثاً بالإضافة لمفتاح التشغيل وإعادة التشغيل وهو مفتاح “Turbo”. ففي تلك الفترة كانت هاتان الميزتان أساسيتين وموجودتين في جميع الحواسيب تقريباً، ولو أنهما سرعان ما ضاعتا من الحواسيب بمرور الوقت، وبات وجودها حالياً أمراً مستبعداً.
في هذا المقال سنعود بك إلى الثمانينيات لنشرح سبب وجود كل من هاتين الميزتين وآلية عملها، كما سنشرح سبب اختفائها التدريجي والنهائي من الحواسيب المصنعة في السنوات التالية من التسعينيات ولاحقاً.
المحتويات
لماذا كانت الحواسيب القديمة تمتلك مكاناً لإدخال مفتاح ضمنها؟
لفهم سبب وجود المفاتيح في الحواسيب القديمة، علينا أن نعود إلى الخلف قليلاً، حيث بدأت الحواسيب الشخصية بالانتشار في قطاع الأعمال عموماً مع نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات، وكان واحد من أكثر هذه الحواسيب نجاحاً هو حاسوب IBM PC (Personal Computer) الذي أعطى للفئة بأكملها اسم “الحواسيب الشخصية”، لكن المشترك بين مختلف هذه الحواسيب هو كونها تفتقد لأي نوع من الأمان في الواقع، حيث لم تكن تتضمن كلمات مرور، وأي شخص من الممكن ان يشغلها ويعبث بمحتوياتها او ينسخها كما يريد.
بالطبع ففكرة عبث شخص ما بالحواسيب لم تكن محبذة حينها، وبينما كانت الشركات الكبيرة تستطيع تجنب الأمر نسبياً مع عدم دخول أشخاص خارجيين إليها، فقد كان الأمر مختلفاً بالنسبة للشركات الأصغر أو المؤسسات التجارية، ومن هنا أتت فكرة وضع قفل خاص للحواسيب لحماية محتوياتها من التعرض للسرقة أو العبث، بالإضافة لمنع المتطفلين من معرفة أية معلومات لا يحق لهم الوصول إليها.
في الواقع لم تكن جميع المفاتيح والأقفال المستخدمة متشابهة من حيث آلية العمل، فبعضها كان يقوم بفصل الكهرباء عن زر التشغيل مثلاً، فيما تعمل أخرى بمنع استخدام لوحة المفاتيح أو منع تشغيل الشاشة أو الوصول للقرص الصلب والعديد من الأساليب الأخرى، ومع كون هذا النوع من الحماية ضعيف للغاية ومن الممكن تجاوزه بسهولة مع فتح غطاء الحاسوب ووصل الأسلاك مباشرة دون المرور بالقفل، فقد بدأت الشركات بإنتاج أقفال خاصة تقوم بالإضافة لمنع تشغيل الحاسوب بمنع فتحه أو فكه حتى لزيادة الحماية.

على أي حال لم تكن الأقفال المدمجة هي النوع الوحيد المستخدم حينها، حيث كان هناك أقفال خارجية من الممكن تثبيتها على الهيكل الخارجي للحاسوب لمنع الوصول لزر التشغيل أصلاً، كما أن بعض الأقفال كانت تأتي بشكل مستقل وتستخدم لقفل سواقات الأقراص المرنة بحيث لا يمكن استخدام السواقة حتى إزالة جزء خارجي يتضمن القفل.
اقرأ المزيد: هل كانت أشرطة الألعاب القديمة جيدة حقاً؟ ولماذا انقرضت لصالح الأقراص الضوئية؟
أين اختفت الأقفال والمفاتيح؟
في الواقع وعلى الرغم من أن فكرة قفل الحاسوب بمفتاح كانت تبدو جذابة ربما ومنطقية عند تقديمها، فمعظم الأقفال المستخدمة كانت متقاربة للغاية وفي بعض الحالات متطابقة، ومفتاح خاص بواحدة منها كان في العديد من الحالات يستطيع فك أي قفل آخر، كما أن قفل الحاسوب بمفتاح فيزيائي يعني أن المفتاح من الممكن أن يضيع ببساطة، وبالتالي من الممكن أن يجد الشخص نفسه دون وصول إلى حاسوبه في حال لم يعثر على المفتاح الصعب الاستنساخ أصلاً.
على أي حال ومع أن الأقفال كانت منتشرة للغاية بالنسبة للحواسيب الخاصة بالشركات والمؤسسات، فالأمر لم يكن مهماً حقاً للحواسيب المنزلية حيث المالكون لا يهتمون أو لا يريدون قفلاً أصلاً كون الحاسوب موجود في مكان آمن على أي حال. في النهاية لم يكن أي من هذا هو ما قتل المفاتيح في الواقع، بل أن موتها اتى من جانب البرمجيات والأنظمة بحد ذاتها.
مع الوقت بدأت اللوحات الأم الخاصة بالحواسيب تأتي مع خيار لإضافة كلمة مرور خاصة بالحاسوب بأكمله من خيارات BIOS، كما أن الأنظمة المستخدمة وبالأخص Windows 95 الذي انتشر إلى حد بعيد كان يدعم كلمات المرور وحتى تشفير الملفات بحيث أن أي فائدة مرجوة من الأقفال الفيزيائية كانت قد زالت بشكل كامل.

حالياً يمكن القول أن الأقفال قد ماتت بشكل شبه كامل، لكنها لا تزال موجودة على مستوى ضيق جداً مثل المخدمات وبعض هياكل الحواسيب الموجهة لفئات معينة، كما أن الأقفال التي تثبت الحواسيب المحمولة في مكان محدد لا تزال موجودة اليوم ولو بشكل قليل نسبياً ضمن الشركات، حيث أن القفل يأتي خارجياً فيما يتضمن هيكل الحاسوب مدخلاً له فقط كما في الصورة أعلاه.
ما هو مفتاح Turbo وماذا يفعل بالضبط؟
لفهم مبدأ عمل هذا المفتاح، يجب أن نعود إلى عام 1981 عندما قامت IBM بتقديم حاسوب Personal Computer (PC) للمرة الأولى، حيث يعد هذا الحاسوب واحداً من الأهم في التاريخ كونه أدى إلى انتشار سريع جداً للحواسيب إلى المنازل وكل مكان بدلاً من حصرها بأماكن العمل، وسرعان ما ظهرت العديد من النسخ من شركات أخرى تستخدم نفس الأجزاء بالضبط ومن بينها معالج Intel 8088 الشهير والذي يعمل بتردد 4.77 MHz.
معالج Intel هذا كان مهماً للغاية بسبب انتشاره الواسع، ومع انتشار الحواسيب إل المنازل سرعان ما بدأت الشركات بإنتاج الألعاب التي تعمل على الحواسيب وبالأخص حاسوب IBM PC ونسخه. على أي حال سرعان ما بدأت معالجات أفضل وأسرع بالظهور في السوق، وبدلاً من تردد 4.77 MHz ارتفعت السرعات تدريجياً إلى 8 ومن ثم 16MHz بشكل تصاعدي، ومع أن هذا الأمر لم يمنع تشغيل الألعاب حقاً، فقد كانت الألعاب المصممة لتعمل على معالج بسرعة 4.77MHz تعمل بشكل أسرع بمرات عديدة على المعالجات الأسرع (كونها لم تكن مصممة للتعامل مع ترددات متغيرة للمعالج).

بالنتيجة سرعان ما بدأت الشركات المصنعة للحواسيب بالبحث عن حل لهذه المشكلة يسمح للحواسيب الأحدث تشغيل الألعاب القديمة بسرعتها الطبيعية، وكان الحل الذي انتشر بالدرجة الأولى هو مفتاح باسم Turbo، لكن بدلاً مما يوحي الاسم من كونه يجعل الحاسوب يعمل بسرعة أكبر من المعتاد، فقد كان المفتاح يخفض تردد المعالج إلى حد بعيد ليصبح ضمن المدى بين 4 و8MHz فقط، أو أنه يشغل المعالج بعدة عمليات دون فائدة بحيث تبقى السرعة محدودة بمجال مناسب للألعاب القديمة.
ظهر هذا المفتاح على العديد م الموديلات المختلفة للحواسيب حيث كانت فترة انتشاره الأكبر ممتدة بين عامي 1986 و1995، والمثير للاهتمام أن الكثير من الأشخاص كانوا يتعاملون مع المفتاح وكأنه أداة لعل الحاسوب أفضل للألعاب، ومع أن هذا الشيء حقيقي لمن يريدون تشغيل ألعاب قديمة من مطلع الثمانينيات، فقد كان العكس هو ما يحصل عند استخدام المفتاح لألعاب أحدث مصممة للعمل على ترددات أعلى.

مع الوقت تسبب الخلط الكبير بالمهمة التي يؤديها مفتاح Turbo إلى قيام بعض الشركات بتغيير مهمته حقاً وتحويله من أداة لتبطيء الحاسوب إلى الحد الأدنى، إلى أداة تجعل المعالج يعمل بطاقته القصوى لتشغيل الألعاب بالشكل الأفضل. على أي حال مع مرور الوقت زالت الحاجة لهذا المفتاح أصلاً، فالألعاب القديمة من مطلع الثمانينيات لم تعد منتشرة، وبدلاً من مفتاح خاص لدفع المعالج إلى الأداء الأقصى، باتت المعالجات تفعل ذلك بشكل ذاتي حسب الحاجة ببساطة.
على أي حال فكل من الحواسيب المزودة بمفاتيح وقفول، وتلك التي تمتلك مفتاح Turbo باتت شيئاً من الماضي القديم جداً، وعدا عن بعض الأماكن الخاصة كالمتاحف التقنية أو أحد هواة جمع الأجزاء الإلكترونية القديمة فمن الصعب جداً أن تصادفها في الحياة العادية.